Admin المدير
عدد المساهمات : 541 تاريخ التسجيل : 23/05/2009 الموقع : الوطن العربي
| موضوع: تأثير اللغات الأجنبية على اللغة الأم الجمعة أبريل 01, 2011 10:51 pm | |
|
تأثير اللغات الأجنبية على اللغة الأم
بقلم : د. نجاة عبدالعزيز المطوع قسم المناهج وطرق التدريس
لا شك أننا جميعاً نلمس التقدم العلمي الكبير, وإنجازاته السريعة, بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة تتربع التكنولوجيا على عرشها, خاصة الحاسوب الذي يعتبر أداة أساسية لا غنى عنها في كافة المجتمعات على اختلاف تقدمها الاقتصادي والاجتماعي مع قدوم القرن الحادي والعشرين. وبذلك أصبح الاتصال المباشر وغير المباشر بين دول العالم وثقافاته ضرورة لابد منها لتبادل الخبرات العلمية والتكنولوجية.
مقــدمــة :
اللغة الأجنبية:
حجج المناهضين لتعليم اللغات الأجنبية في المرحلة الأساسية:
الدراسات السابقة:
المراجع:
مقــدمــة :
في ظل العولمة فإن أي دولة لن تستطيع العيش في عزلة من هذه التطورات, الأمر الذي يؤكد الحاجة لتعلم لغة أجنبية, خاصة اللغة كثيرة الانتقال والمرتبطة بهذا التقدم, مثل الإنجليزية, تيسر للفرد والمجتمع سبل التفاهم مع العالم وتساعده على الاندماج فيه والاستفادة من إنجازاته وكذلك المساهمة في زيادة مبتكراته, وذلك إلى جانب تعلم أداة الاتصال الأساسية الممثلة في اللغة الأم.
بيد أن كثيراً من دول العالم بدأ يتجاذبها اتجاهان بينهما تعارض إلى حد كبير. يتمثل الاتجاه الأول في ضرورة الأخذ بمظاهر التقدم الحضاري وما يشتمل عليه من تعليم أفراد المجتمع لغة أجنبية أو أكثر لاقتناعها بأن الانغلاق عن العالم غير مجد في ظل العولمة (Globalization), وأن تعلم الفرد لغة أخرى بجانب لغته الأصلية هو السبيل الأمثل لتوسيع مداركه وإثراء تجاربه. أما الاتجاه الثاني فإنه يرى أن تدريس لغة أجنبية في التعليم العام, خاصة في المرحلة الأساسية, سيؤدي إلى تفتيت الثقافة والهوية القومية والمتمثلة باللغة الأم, ويؤكد هذا الاتجاه أن اللغة الأجنبية لا تدرس من فراغ, فهي ليست مفردات وتراكيب نحوية فحسب, وإنما هي وعاء لثقافات وعادات وقيم للناطقين بها, وما يترتب على ذلك من تأثير على وجدان المتعلم.
وفي عالمنا العربي, بدأ الحوار حول تدريس اللغة الأجنبية في العديد من الندوات التربوية وفي الأوساط العلمية ولدى المهتمين بتعليم اللغات الأجنبية في الجامعات والمؤسسات التعليمية المماثلة, ويستطيع المتتبع لهذا الحوار أن يتبين الاتجاهين المشار إليهما آنفاً, إذ يدعو القائلون بالاتجاه الأول إلى التوسع في تعليم اللغة الأجنبية وإدخالها في المرحلة الأساسية بل وفي مرحلة رياض الأطفال, في حين يدعو الاتجاه الآخر إلى إلغاء تدريسها في هذه المرحلة أو تأجيل إدخالها إلى السنوات الأخيرة من المرحلة الأساسية.
وعلى الرغم من تعارض الاتجاهين المذكورين وصعوبة الأخذ بواحد منهما دون الآخر, فإن الملاحظ أن تعليم اللغة الأجنبية في المرحلة الأساسية أضحى أكثر انتشاراً سواء في المدارس الحكومية أو الخاصة. ولقد ازداد الاهتمام العالمي في العقود القليلة الماضية بتعليم الصغار لغة أجنبية غير اللغة الأم, وكان ذلك واضحاً في المجتمعات المتعددة ثقافيا ولغويا مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا, وذلك من أجل توحيد اللغة والثقافة وتحقيق مبادئ الديمقراطية وتكافؤ الفرص التعليمية. و قد صاحب تلك الجهود محاولات لحل بعض المشكلات الناجمة عن تعليم أبناء الأقليات, حيث استعانت تلك المجتمعات ببرامج تربوية خاصة أو تنويع البرامج التدريسية, بهدف التعامل تعليمياً مع أبناء جماعات الأقليات, والتي يمكن إيجازها على النحو التالي:
التعليم ثنائي اللغة (Bilingual education)حيث يتعلم التلميذ لغتين في نفس الوقت بشـرط أن يزداد ما يقدم إليه باللغة الإنجليزية تدريجياً على حساب ما يقدم إليه بلغته الأم, و ذلك بهدف تمكينه من اللغة الإنجليزية, لكي تحل محل لغته الأولى تدريجياً.
برنامـج غمر أو انغماس التلميذ (Student immersion programme), حيث يتم تعليم الطفل باللغة الإنجليزية منذ البداية مع إهمال لغته الأولى. وهذا النموذج أكثر انتشاراً في بعض مناطق كندا.
تعليم اللغة الثانية (Second Language). وهنا يتعلم الأطفال لغتهم الأولى ثم يلتحقون في جزء من يومهم الدراسي ببرامج تعليم اللغة الإنجليزية. وهذا البرنامج يشجع انتشار اللغة الإنجليزية بطريق غير مباشرة من خلال المدارس ووسائل الإعلام. ويلقى هذا النموذج تشجيعاً من الولايات المتحدة أيضاً.وتعتبر اللغة الثانية لغة إضافية يلجأ إليها المجتمع لتعدد اللغات فيه, أو لوجود أكثر من لغة في أقاليمه, حين يجد أفراد إقليم ما صعوبة بالغة في فهم إخوانهم من إقليم آخر كما هو الحال في الهند ونيجيريا مثلا. وتستخدم اللغة الثانية كلغة رسمية في دواوين الحكومة وفي التعليم والتجارة وفي المناسبات الرسمية التي تجمع كل الأقاليم, وهى ضرورة من ضروريات الحياة والتفاهم الاجتماعي. وتعتبر الإنجليزية رائدة في هذا المضمار إذ أنها تستخدم كلغة ثانية في هذه البلدان بسبب الإرث الاستعماري.
* اللغة الأجنبية:
بالنسبة للدول العربية التي يختلف نظامها التعليمي الرسمي عن النماذج الثلاثة السابقة, فإن النموذج المتبع في نظامها التعليمي هو نموذج تعليم اللغة غير العربية باعتبارها لغة أجنبية, وهي اللغة التي نتعلمها لقراءة المراجع الأجنبية, ولكي نفهم الاتجاهات السائدة وحضارة وأدب هذا المجتمع الذي نتعلم لغته, أو لكي نخاطب أهله ونتفاهم معهم وننقل عنهم ما وصلوا إليه من تقدم وتكنولوجيا, أو لكي نتعلم علماً معيناً لا يكتب إلا بهذه اللغة مثل علوم الطب والهندسة, وقد نتعلم لغة أجنبية لأغراض خاصة كالسياحة والتجارة والصناعة... إلخ.
هذا ويعمد التربويون إلى التمييز بين تعلم اللغة الثانية واللغة الأجنبية على أساس مقدار ونوع اللغة التي يتعرض لها المتعلم, فدارس اللغة الثانية يلتقطها من بيئتها التي تستخدم فيها للتواصل اليومي العادي, بينما يعتمد متعلم اللغة الأجنبية اعتمادا كلياً على عدد محدد من الحصص التدريسية داخل الصف في المدرسة. ويزداد مقدار التعرض في بيئة اللغة الأجنبية أو يقل حسب الفرص المتاحة للمتعلم من حيث استخدام تلك اللغة في تدريس المواد الدراسية الأخرى, وقراءة الطلبة للمواد المكتوبة بتلك اللغة خارج الصف الدراسي, واستماع الطلبة للوسائل المسموعة والمرئية الناطقة بتلك اللغة.
وفي ضوء ما سبق, يمكن النظر إلى بيئة اللغة الأجنبية كنهج, يمتد من جانب إيجابي تتوفر فيه فرص التعرض السالفة الذكر, وتتقلص شيئاً فشيئاً لتنعدم تماماً في الجانب الآخر بحيث ينحصر تعرض الطلبة للغة الأجنبية في حصص معدودة في المدرسة فإذا حاولنا تحديد موقع ظروف تعلم اللغة الإنجليزية في البلاد العربية على هذا النهج, فسيكون في نهاية أو قرب نهاية الجانب السلبي الذي يسميه كراشان (Krashan 1985) "البيئة الفقيرة للاكتساب" (Acquisition poor environment), حيث لا يتعرض الطلبة للغة الأجنبية خارج الصف الدراسي, وعليه فلا غرابة أن يتحدث المعلمون والمهتمون بأمر تعليم اللغات الأجنبية عن ضعف مستوى الطلبة في تلك اللغات وخاصة اللغة الإنجليزية.
قد يصل مستوى هذا الضعف أحياناً إلى درجة أن ينتج الطلبة جملاً عربية بحروف إنجليزية, أو يتحولون من التحدث بالإنجليزية إلى العربية عندما لا تسعفهم حصيلتهم اللغوية, وهناك من يترجم حرفياً من العربية إلى الإنجليزية. تظهر آثار اللغة الأم في اللغة الأجنبية كنتاج طبيعي لعدم الكفاءة في الأخيرة ــ فليس اللجوء إلى اللغة الأم سوى استراتيجية تعويضية, وما كثرة الأخطاء الناجمة عن تلك الاستراتيجية إلا مؤشر لعدم الكفاءة في اللغة الأجنبية. كما يرجع تدهور المستوى في اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية لعدة عوامل أخرى منها دافعية الطلبة وطرائق التدريس والمواد الدراسية وطبيعة الامتحانات ومستوى كفاءة المدرسين في اللغة المستهدفة .
* حجج المناهضين لتعليم اللغات الأجنبية في المرحلة الأساسية:
تعددت الدراسات والآراء التي تعارض إدخال اللغات الأجنبية في مناهج الدراسة الأولية, إذ يؤكد المعارضون على التأثير السلبي لتعلم اللغة الأجنبية في مرحلة الطفولة على مستوى اللغة الأم ومكانتها, لأن الازدواج في تعليم اللغة في هذه المرحلة غالباً ما يكون على حساب اللغة الأم, وهم يستندون إلى حجج وأدلة مستمدة من علم النفس التربوي والتطبيقات العملية والظروف المالية والإدارية للتعلم.
يعتبر عالم اللغة الإنجليزي مايكل وست (M.West) من أول المناهضين لتعليم اللغات الأجنبية في سن مبكرة, يليه من العالم العربي عبد العزيز القوصي, مدير مركز اليونسكو للتربية في بيروت خلال الخمسينات, الذي طالب بإلغاء اللغة الأجنبية من مناهج المرحلة الابتدائية في الدول العربية, وكان ذلك أحد الأسباب التي أدت إلى إلغائها فعلاً في مصر بعد ثورة يوليو 1952م, كما سانده الرأي المربي العربي الكبير ساطع الحصري في قوله "إن تعليم اللغة الأجنبية في المدارس الابتدائية أمر يضر بمصلحة الطفل ويعرقل نموه الفكري ويحد منه", ويسوق المناهضون حججاً كثيرة لتعزيز وجهة نظرهم, وفيما يلي أبرزها:
أن الكبـار أقدر على تعلم اللغة الأجنبية من الأطفال, لأن نمو الذكاء يصل إلى ذروته حين يصـل الطفـل لسـن الخامسة عشر, ويظل مستوى الذكاء ثابتاً حتى بلوغ سن الأربعين, عندها يبدأ في الانخفاض, وطبقـاً لهذا الرأي يكون البالغون الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشر والأربعين سنة أقدر على تعلم اللغة الأجنبية من الأطفال الذين لم يستكمل ذكاؤهم نموه.
إن تعلـم لغة ثانيـة عمليـة معقدة جداً تشترك فيها جميع قوى الفرد العقلية والنفسية والعضلية والعاطفية, وهي لاريب عملية مرهقة لصغار الأطفال, خاصة أن الأطفال العـرب يتعلمون فعلاً لغة ثانية في المدرسة الابتدائية هي اللغة العربية الفصحى التي تختلف بشكل أو بآخر عن لغة الطفل الأولى, ويحسن بنا ألا نحملهم عبء "لغة ثالثة" كالإنجليزية.
تمثـل مرحلة الحضانـة ورياض الأطفـال (6-3 سنوات) في علم النفس مرحلة الطفولـة المبكرة, حيث يكـون الأطفال فيها أكثر حاجة لتعلم لغتهم العربية الأصلية, والتمكن من أولياتهـا نطقاً وكلاماً ومخاطبةً وقدرة على التعبير اللغوي الصحيح, وما يرتبط بذلك من تدريب لعضلات اللسان والحبال الصوتية في بداية نموها. وإذا ما أضيفت لغة أجنبية أخرى ليتعلمها الطفل إلى جانب اللغة العربية فإنها سوف تعرقل تقدمه في تعلم لغته الأصلية, وتؤخر نموه اللغوي بالعربية, إذ أن كل لغة لها تكيّف صوتي خاص بها قد يفسد عند تعلم أكثر من لغة في ذات الوقت, علاوة على أن لكل لغة مهارات خاصة مثل "النطق والتعبير والكتابة" تختلف عن مهارات اللغة الأخرى... ويصعب على الطفل الصغير في بداية حياته أن يتعلم تلك المهارات المزدوجة من لغتين في وقت واحد, ففي حالة تعلم لغتين في آن واحد, فإن النتيجة غالباً ما تتمثل في أن الطفل حينئذ لا يمكنه إتقان أي من العربية أو الإنجليزية, ولو أتقن إحداهما فإن ذلك يكون على حساب الأخرى. ومن هنا يجب تأخير مرحلة تعليم اللغة الثانية حتى يفرغ الطفل من إتقان لغته الأصلية. وبناء عليه, فإن اللغة الأم متى كانت قوية بمناهجها وأبنائها القائمين عليها فلا خوف عليها من لغة أخرى, ويستشهد هؤلاء التربويون بالتجارب الفعلية للمناطق الأخرى من العالم حيث تقتصر الدول المتقدمة على تدريس اللغة القومية دون غيرها في المرحلة الأولى.
إن تعليم اللغة الإنجليزية في الصفوف الأولى ربما يكون له تأثيره السلبي على النسق الحركي البصــري للطفل, مما يشكل صعوبة في الكتابة للغتين كل منهما تكتب في اتجـاه معاكـس للأخرى, فقد لوحـظ في تجربة إدخال الإنجليزية في كل من دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت أن الطفل يحاول أن يكتب اللغة باتجاه معاكس لتأثير تعلـم اللغـة الإنجليزية على يد الطفـل, ومن الأمثلة كتابة الفتحة من الشمال لليمـين, وكتابـة بعض الكلمـات مثل (سار حمد في شارع) هكذا (سار حمد في ), وكذلك قـراءة بعض الأرقـام العربيـة مثـلاً (66-65 هكذا65-66 ), أضف إلى ذلك كتابة الأرقام معكوسـة مثـل (3-4),(3-4) , (9-أ),(6-2) (2-6) , ... إلخ . فإذا كان الارتباك موجوداً لدى الطفل في الأصل فإن إدخــال الإنجليزية سوف يزيد منه.
إن اللغـات الأجنبيـة لا تعمـل بنفس الوحدات اللغوية وعناصرها التي تحملها اللغة العربية من الناحية الصوتيـة والنحوية والدلالية, فهذا التباين قد يؤثر سلباً على اللغة الأم. فعلى سبيـل المثـال, إذا قورنت العربية بالإنجليزية من حيث التراكيب اللغـوية فإننـا نلاحـظ أن عناصر الجملة الإنجليزية تفهم من خلال النظام الداخلـي المنظـم للجملة, ومن خلال ترتيب تلك الوحدات اللغوية, فيمكن فهم الجملة الإنجليزية:
The boy bought his mother a gift
من خلال ترتيب وحداتها اللغوية بشكل منسق يعطي للجملة معنى هو نتاج هذا النظام الداخلي اللغوي. أما بالنسبة للغة العربية فيمكن أن تستخدم ذات الجملة بعدة أشكال على النحو التالي: *اشترى الولد هدية لأمه. *اشترى هدية لأمه. *اشترى لأمه هدية. *ولأمه اشترى هدية. في ضوء ما سبق فإن النظام السطحي للجملة العربية يخضع لاعتبارات تنظيمية عدة تتعلق بنهايات الكلمات, وهذا بدوره يختلف عن الجملة الإنجليزية التي تعتمد على ترتيب المفردات والوحدات ترتيباً أفقياً
إن تدريس اللغـة الأجنبية في المرحلة الأساسية سيزاحم مناهج اللغة العربية والتربية الإسلامية التي تشكل غالبية المناهج في تلك المرحلة, إذ أن الوقت المخصص لدراسة اللغة الأجنبية سيكون على حساب تلك المواد الأساسية, وسيكون تدريس اللغة الأجنبية في مرحلة يكون التلميذ فيها بحاجة إلى تعلم لغته الأم, ومبادئ دينه, بالإضافة إلى أن إدخـال اللغة الأجنبية في هذه المرحلة سيربك التلاميذ لغوياً, ويزعزع ثقتهم بلغتهم, وسيجعلهم يتشربون بعض المفاهيـم الأجنبيـة منذ الصغر. وقد يستمر تأثير ذلك إلى المراحل المتقدمة.
إن إدخـال اللغة الأجنبية في المرحلة الأساسية يزيد من الهالة التي رسمت في عقول كثير من الآباء حول أهمية اللغة الإنجليزية, واقتران تعلمها بالمستقبل الجيد, وما إلى ذلك من أوهـام. وقد أدت هذه الهالة إلى اندفاع بعض الآباء إلى تدريس أبنائهم اللغة الأجنبية بدءاً من الروضة, وفي المدارس الخاصة غير عابئين بما يعترض أبناءهم من مخاطر ثقافية ولغوية وعاطفية.
تدعـو بعض الدراسـات المختصة إلى تدريس اللغة عبر ثقافة اللغة المستهدفة وثقافة الناطقـين بها. إلا أن تدريس الصغــار اللغة بهذا المضمون الثقافي له مخاطره لما يترتب عليـه من اهـتزاز ثقة الطفل بثقافته ولغته, وجعله يتعاطف مع اللغة الأجنبية وثقافتها, وربما يؤثر ذلك على ولائه لدينه ولغته الأم وثقافته.
إن إدخـال اللغة الأجنبية في سن مبكرة يزيد من أزمة النقص في مدرسي هذه اللغة, وما يترتب عليها من إشكاليات.
إن تدريس اللغة الأجنبية في المرحلة الأساسية توجه يتناقض مع توجه الدول العربية في سياستهـا الرامية إلى تعريب التعلـيم بشكل عام, وتعريب التعليم الجامعي بشكل خاص, وسيكـون الجهد والمـال الذي يصرف على تعليم اللغة الأجنبية في المراحل المبكرة على حساب اللغة العربية ومجهودات التعريب.
*الدراسات السابقة:
تركز الدراسات والبحوث التي لها علاقة بموضوع هذه المقالة على الازدواجية اللغوية والثقافية, خاصة في المجتمعات التي تتعدد فيها الثقافات واللغات مثل الولايات المتحدة وكندا وبعض الدول الأوروبية. لقد أولت تلك الدراسات اهتماماً ملحوظاً بقضية تأثير تعليم لغة ثانية على تعلم اللغة الأم. أما في الدول العربية فإن الدراسات الاجتماعية واللسانية والتربوية لازالت محدودة فيما يتعلق بتأثير اللغات الأجنبية على اللغة العربية.
بالنسبة للآثار المترتبة على ازدواجية اللغة في التعليم, فإن الدراسات التي أجريت في النصف الأول من القرن العشرين قد أكدت على وجود ظاهرة الإعاقة اللغوية عند الأطفال الذين يتعلمون لغتين. لقد اعتمدت تلك الدراسات على مقارنه مستوى الأطفال الذين يدرسون لغة واحدة بالأطفال الذين يدرسون لغتين, ووجدت أن هؤلاء يعانون من قصور لغوي بالمقارنة مع الفئة الأولى. اتضح ذلك القصور في مجالات وقدرات لغوية خاصة المفردات ومعانيها وفي الكتابة الإنشائية والقواعد. لقد حاول الأستاذ ماكنمار (Macnamar) تعليل ذلك بما أسماه "عامل التوازن" حيث يكون التحصيل في اللغة الثانية دائماً على حساب استيعاب مهارات اللغة الأم, وقد انتقده كمنز(Cummins) حين أشار إلى ضرورة اعتبار عامل الوقت المخصص لتعليم اللغة الأم عندما تكون اللغة الثانية أداة تعليم. وبعبارة أخرى, فإذا كان عدد الحصص المخصص لتعليم اللغة الأم قليلاً فإن مستوى الطلبة سينخفض دون أن يكون لذلك علاقة بطبيعة المواد الدراسية أو باللغة العربية التي يتعلمون بها.
أما الدراسات التي أجريت في النصف الثاني من هذا القرن حول آثار تعليم لغتين معاً فقد توصلت إلى نتيجة مفادها أن أطفال اللغة الواحدة كان أداؤهم ونتائجهم أفضل من أداء ونتائج أطفال اللغتين في القدرات الكتابية. كما أكدت هذه الأبحاث أن أطفال اللغتين يعانون من بعض المصاعب والإعاقة اللغوية المرتبطة باجتهادهم من أجل التمكن والتأقلم مع نظام لغتين .
أما في الدول العربية فقد أشارت الدراسة التي أجراها عفيفي في مصر (1989) إلى نتائج سلبية البرامج ثنائية اللغة. لقد عنيت الدراسة بتأثير العلوم باللغة الإنجليزية على تحصيل تلاميذ الصف الخامس الابتدائي, واتجاهاتهم نحو مادة العلوم, حيث قام الباحث بتطبيق اختبار تحصيلي على عينة مكونة من 575 تلميذاً مقسمين إلى مجموعتين: الأولى تدرس العلوم بالإنجليزية والثانية تدرس العلوم بالعربية, وذلك في ست مدارس ابتدائية منها ثلاث مدارس للغات وثلاث مدارس أهلية, واستبعدت المدارس الحكومية لتحقيق التقارب في الظروف والإمكانات المدرسية بينهم. واستنتجت هذه الدراسة انخفاض مستوى التحصيل لدى المجموعة الأولى التي درست العلوم باللغة الإنجليزية, بينما حققت المجموعة الثانية التي درست العلوم باللغة العربية مستوى عال من التحصيل.
وفي مصر أيضاً أجرى عاشور (1986) بحثاً حول نوع التأثير الذي يحدثه تعلم اللغة الأجنبية في مرحلة مبكرة على مستوى النمو اللغوي في لغة الطفل الأولى. وقد استندت الدراسة إلى تطبيق مقياس مستوى النمو اللغوي على عينة من تلاميذ الصفين الرابع والسادس الابتدائي ممن التحقوا بالروضة مدة عامين. واستنتج الباحث أن مستوى اللغة الأولى يتأخر لدى الأطفال الذين يدرسون لغات أجنبية في سن مبكرة عن أقرانهم ممن لا يدرسون لغات أجنبية. علاوة على ذلك فإن التأثير السلبي لتعلم اللغة الأجنبية في مرحلة مبكرة على مستوى النمو للغة الأولى للطفل يقل مع تقدم الطفل في العمر. وهذا الاستنتاج يؤكد ما توصل إليه حنا (1967), الذي أجرى بدوره تجربة في مصر على عينة من تلاميذ الصف الرابع الابتدائي في مدارس حكومية لا تدرس اللغة الإنجليزية. فقام الباحث بتدريس اللغة الإنجليزية للمجموعة التجريبية بمعدل ساعة يومياً. وفي نهاية الفترة أجرى اختبارات تحريرية لقياس المهارات اللغوية وعناصر اللغة الأخرى. وتوصل إلى أن تعلم تلميذ الصف الرابع الابتدائي للغة الإنجليزية لا يؤثر سلباً على تحصيله للغة العربية, بل قد يؤدي إلى رفع مستوى تحصيله في بعض جوانب اللغة وأهمها الفهم والتعبير.
وفي هذا السياق قام المعموري وآخرون(1983) بدراسة للكشف عن أثر تعليم اللغات الأجنبية في تعلم اللغة العربية لدى طلبة المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية في البلاد العربية. طبقت استبانة على عينة مكونة من 700 طالب وطالبة في مختلف الدول العربية وكان من أبرز النتائج التي توصلوا إليها ما يلي:
ميل الطلبة إلى اللغة العربية يفوق ميلهم إلى اللغات الأجنبية.
تفشي استخدام اللهجة العامية داخل الصف.
التأثير السلبي غير المباشر للغات الأجنبية, متمثلاً في انشغال الطلبة وتحوّل اهتمامهم عن لغتهم العربية وما يترتب عليه من ضعف فيها.
وبناء على ذلك, اقترح الباحثون تأجيل سن البدء في تعليم اللغة الأجنبية إلى الصفوف الأعلى عندما يكون الطفل العربي متمكناً من لغته العربية.
وفي عام 1990, أجرى الشخيبي في جمهورية مصر العربية دراسة للتعرف على موقف التربويين من إيجابيات وسلبيات تعليم اللغات الأجنبية في المرحلة الابتدائية. وقد أكدت نتائج الدراسة اختلاف وجهات النظر حول العلاقة بين تعليم تلاميذ المرحلة الابتدائية لغة أجنبية وبعض القضايا المجتمعية. وقد رأت غالبية أفراد العينة أن تعليم تلاميذ المرحلة الابتدائية لغة أجنبية له تأثير سلبي على كل من تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية, والتفاعل الاجتماعي وهجرة العقول المصرية .
وفي دولة قطر, أجريت دراسة لقياس النمو اللغوي في اللغة العربية لدى تلاميذ الصفين الرابع والسادس الابتدائي, والتعرف على نوع التأثير الذي يمكن أن يحدثه تعلم لغة أجنبية في سن مبكرة على مستوى نمو الطفل اللغوي في اللغة العربية. وقد طبق قياس النمو اللغوي على عينة مكونة من 1,074 تلميذاً في ست مدارس حكومية تدرس الإنجليزية في سن متأخرة, وخمس مدارس عربية أهلية تبدأ في تدريسها في مرحلة الروضة, ومدرسة خاصة تدرس جميع المواد بالإنجليزية عدا اللغة العربية والدين والاجتماعيات ومعظم التلاميذ فيها عرب. ومن أبرز نتائج الدراسة ما يلي:
تفوق تلاميذ المدرسة الابتدائية الذين لا يدرسون لغات أجنبية (مدارس حكومية) على أقرانهم ممن يدرسون لغات أجنبية في سن مبكرة.
توجد فروق دالة إحصائياً بين متوسطي درجات تلاميذ الصف الرابع الذين لا يدرسون لغات أجنبية والتلاميذ الذين يدرسون لغة إنجليزية بصورة مكثفة لصالح المجموعة الأولى (مدارس الحكومة) في مهارتي الفهم والمحادثة.
انعدام الفروق بين متوسطي درجات تلاميذ الصف السادس الذين لا يدرسون لغات أجنبية (مدارس حكومية) والتلاميذ الذين يدرسون لغة إنجليزية بصورة غير مكثفة (أهلية) في النمو اللغوي.
تفوق تلاميذ الصف السادس على تلاميذ الصف الرابع في أبعاد النمو اللغوي في المجموعات الثلاث, أي أن النمو اللغوي للطفل يزداد بتقدمه في المستوى التعليمي.
أما في دولة الكويت فقد أجريت سلسلة دراسات تناولت أثر إدخال مادة اللغة الإنجليزية على تدريس اللغة العربية لتلاميذ الصفوف المختلفة في المرحلة الابتدائية. ففي دراسة استهدفت تقويم اتجاهات شريحة كبيرة من المجتمع الكويتي (1,200 شخص) من مختلف المؤسسات والمناطق السكنية في البلاد إزاء إدخال اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية. وكانت النتائج التي خلصت إليها الدراسة أن الكثير من أفراد العينة أعربوا عن قلقهم بشأن تأثير اللغة الإنجليزية على تحصيل التلاميذ في اللغة العربية, وعلى تأثيرها على الجدول الدراسي. كما كانت الآراء متضاربة بشأن الفكرة القائلة: "أن سنوات التدريس الأولى هي أفضل فترة لتدريس اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية في المدارس الابتدائية".
كما أجريت دراسات في وحدة القياس والتقويم بوزارة التربية في دولة الكويت, لتقويم هذا الأثر بالتعرف على اتجاهات معلمي اللغة العربية نحو تدريس الإنجليزية في المرحلة الابتدائية, وقد رأت غالبية أفراد العينة وجود انحياز لدى الإدارة المدرسية نحو الاهتمام بتدريس اللغة الإنجليزية أكثر من اللغة العربية. واقترحت الدراسة بناء على ذلك إجراء دراسة تحليلية للبيئة النفسية التي يعمل فيها معلمو ومعلمات اللغة العربية.
مما سبق يتضح أنه بالرغم من اختلاف الباحثين في معالجتهم للموضوع والنتائج التي توصلوا إليها, إلا أنهم اتفقوا على أن اللغة الأجنبية تؤثر على اللغة الأم خاصة في سن مبكرة. كما يتضح أيضاً أن أغلب الدراسات التي أجريت في الدول العربية تناولت السنوات الدراسية المتأخرة في التعليم الأساسي (الصف الرابع والخامس أو السادس الابتدائي). ومن ثم فليس غريباً أن تكون النتائج إيجابية حيث أن التلميذ يبدأ بتعلم اللغة الأجنبية وهو في سن العاشرة, أي بعد تمكنه من لغته الأم.
وقد يصعب الاعتماد على نتائج الكثير من الدراسات العربية والأجنبية نتيجة الفروق بين اللغات, حيث نجد تقارباً بين اللغات الأجنبية في الخصائص اللغوية والنحوية والصوتية, بينما نجد اختلافا كبيراً بين اللغة العربية واللغات الأجنبية الأخرى, خاصة وأن معظم هذه الدراسات تدور حول مشكلة "ثنائية اللغة" (Bilingualism), وهو مفهوم يختلف عن اللغة الأجنبية لدينا.
فالتعليم ثنائي اللغة يهدف إلى الوصول بالفرد إلى المستوى الذي يتمكن فيه من استخدام كل من اللغتين بنفس القدر, بينما يهدف تعليم اللغة الأجنبية إلى مساعدة الفرد على استخدام هذه اللغة عندما تدعوه الحاجة إلى ذلك.
*المراجع:
الـذوادي, نجـلاء حـسن (1995) أثـر تدريس اللغـة الإنجليزية في تعليم المرحلة الابتدائية ـ آفاق تربوية, ع6, وزارة التربية والتعليم, قطر ص ص183-167 .
حنا, فـاروق فؤاد ((1967) أثر تعلــم لغة أجنبية (الإنجليزية) في تعلم اللغة القومية العربية. رسالة ماجستير غير منشورة ـ كلية التربية ـ جامعة عين شمس.
الشخيبي, علي السـيد (1990) تعلـيم اللغات الأجنبية في المرحلة الابتدائية وبعض قضايا مجتمعنا المعاصر ـ كلية التربية ـ جامعة السلطان قابوس, سلطنة عمان.
الشمـري, عيد عبد الله بن سالم (1989) تدريس اللغة الإنجليزية في المملكة العربية السعـودية لمن ومتى وكيف تدرس الإنجليزية؟ مجلــة جامعة الملك سعود, العلوم التربوية, م (2,1) 1 ص ص 194-171.
* Bibliography:
AL-Mutawa, N. (1996)- Attitudes of Kuwait society towards introducting English as a foreign language at primary schools (EFLPS). The ERC Journal, University of Qatar, 9 (5), 7-37.
Cummins, J. (1978). The cognitive development of children in immersion programs. The Canadian Modern Language Review, 34/15.
Krashan, S. (1985). The Input Hypothesis- London: Longman.
Macnamar, J. (1996) Bilingualism and primary education, Edinburgh University Press.
Mahmoud, A. (1992) Error-based interlingual Comparisons as a learner-centred technique of teaching grammar to Arab students. Ph.D. thesis, University of Salford, UK. المصدر : مركز تعريب العلوم الصحي
| |
|